وأما ما قد يقع في أذهان بعض الشباب من الاختلال بسبب الخلط بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة فهذا أمر آخر، فنقول: لا ينبغي أن يقع هذا الخلط، فأحكام الدنيا تجري على الظاهر، ولا يضرنا في ديننا لو اعتقدنا أن فلاناً فيه خير بما ظهر منه، أو أنه مسلم بناء على ما ظهر منه، وهو في الحقيقة كافر، إلا إذا أظهر الكفر فجادلنا عنه وعن الذين يختانون أنفسهم كما ذكر الله تبارك وتعالى عن الكافرين، فهذا قطعاً لا يجوز، أما إذا كان الإنسان قد حكم بظاهر ما رأى ولم يعلم غير ذلك، فإنه لا يلزم كل أحد من
أهل السنة أن يعلم أهل البدعة والنفاق والشرك بأعيانهم، ولو كان الأمر كذلك لكان هذا من أعظم المشقة، ولتعذر هذا حتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن يعلم كل المنافقين، فمنهم من أطلعه الله تبارك وتعالى عليه: ((
لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ))[التوبة:101]، ومنهم من أرشده الله سبحانه وتعالى، وبين له أنه يمكن أن يعرفهم في لحن القول، ومنهم من كان واضح النفاق وظاهره، والصحابة رضوان الله تعالى عليهم منهم كما قال الله عز وجل: ((
وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ))[التوبة:47]، أي: منهم من كان يستمع لهم، ومنهم من كان يدافع عنهم، وربما جادل أحياناً عنهم، ولذلك نجد أن بعضهم قد يقول: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن فلاناً منافق، وذلك كما قال
عمر رضي الله تعالى لـ
حاطب وهو ليس كذلك، فهذا اجتهاد منهم، فيحكمون وقد لا يحكمون، فهذه المسألة وهي إجراء الأحكام في الدنيا أمر اجتهادي فيه سعة، لكن من أظهر الكفر وأعلنه وأباح به، فهذا لا يجوز أن يختلف فيه، غير أن هذا موضوع آخر، والموضوع الذي نريد أن نعرفه ويهمنا هو موضوع إثبات الإيمان على الحقيقة في الواقع وفي نفس الأمر، هل هذا مؤمن أم غير مؤمن؟ فالذي عاش عمره لم يصل ولم يصم ولم يزك ولم يحج ولم يفعل شيئاً من أعمال الطاعات، فهذا لا يكون مؤمناً في الحقيقة؛ لأنه بانتفاء أعمال الجوارح انتفى عمل القلب، وبانتفاء عمل القلب انتفى تصديقه، حتى لو قلنا: إن الإيمان هو تصديق القلب فقط كما قالوا، وإلا فليس كذلك، فنقول: حتى لو جعلتم هذه الأعمال لوازم وثمرات وليست داخلة في الحقيقة، فإن انتفاء هذه اللوازم ينبني عليه انتفاء الملزوم.